الفنان عماد الطائي: في داخلي ما يشبه جموح الخيل واندفاعها ورومانسيتها

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
21/10/2012 06:00 AM
GMT



يختزن الكثير من مشاريع اللوحات ولا يجد متسعا لتنفيذها
وأنت تدخل مرسمه في منطقة كنكغستون، جنوب غربي لندن، ستتخيل أنك تسمع صهيل خيوله العربية الأصيلة، وهي تجري فوق سطوح لوحاته، تقودها نساء جميلات، قافزة بين خطوط زخرفاته، ماضية بحرية بالغة من صحراء العرب التقليدية إلى حداثة الخط واللون التعبيري.


في مرسم الفنان العراقي عماد الطائي تتناهى إليك، أيضا، رائحة الألوان الزيتية وفوضى الأشكال والإطارات المعلقة وأسطح الكانفاص التي تنتظر فرشاة الرسام ليبدع فوقها عوالمه، نسائه، مقاهيه، عرباته، غاباته وأيضا جباله، وليؤسس عبر كل ذلك أسلوبية تتجدد من خلال مختبر لوني وفكري حداثي. هناك بين كل هذه الأشكال والألوان، حيث بورتريهات النساء تنتظر اللمسات الأخيرة، التقت «الشرق الأوسط» بالرسام الطائي الذي عرف عنه منذ بداياته إبداعه برسم الخيول العربية الأصيلة بأسلوب واقعي، ومن ثم حداثي، تعبيري، يقول «أنا اشعر أن في داخلي ما يشبه جموح واندفاع ورومانسية الخيل، حتى إن الاندفاع هذا يفسر طموحاتي والطاقة الخلاقة الجمالية التي في داخلي، وهذا، الجموح أو الطموح والجمال، ما تجده متجسدا حياتيا في المرأة والخيل، لهذا رسمت سلسلة من الأعمال تحت تسمية (المرأة والحصان)»، موضحا «رسمت الخيل منذ أن كنت في السنة الأولى لدراستي الفن التشكيلي في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد عام 1991، بل رسمتها منذ طفولتي، فأنا أعتقد أني لن أعرف أي شيء أكثر مما عرفت الرسم حتى إني لا أتذكر متى رسمت للمرة الأولى، ربما ذلك لأن كل أفراد عائلتي يرسمون، والدي وأختي وإخواني لكنني الوحيد بينهم الذي أصر على تحقيق طموحاته وأن أحترف الرسم».

لم يكن الرسام الطائي قد شاهد عن قرب الخيول العربية الأصيلة، يقول «ربما في الصور أو بالأحرى في لوحات الفنان الكبير الراحل فائق حسن الذي أشعر بالأسف أني لم ألتقه كأستاذ في الأكاديمية ولا في الحياة، لكن أعماله ما زالت تؤرخه كأفضل من وظف الشكل الواقعي للخيول، وهو أجمل توظيف، وأنا تأثرت بهذا الاتجاه، كما تأثرت بفنانين عراقيين كبار أمثال حافظ الدروبي وإسماعيل الشيخلي وإسماعيل فتاح الترك، وغيرهم من المبدعين العراقيين الكبار»، مستدركا بقوله «بقيت لفترة طويلة أرسم الخيل دون أن أشاهد عن قرب الخيول الأصيلة وحتى سنوات قريبة اقتربت منها وصرت أفهم أمورا كثيرة عنها خاصة الخيل التي تتنافس في مسابقات جمال الخيول في العالم، وهذه غير مخصصة للسباقات بل فقط للجمال، حدث ذلك في الأردن عندما دخلت الاسطبلات الخاصة لبعض الأمراء ومربي الخيول ورسمتها عن قرب وكانوا يخبرونني عن أسرار شخصية كل حصان أو فرس والفوارق بين هذا وذاك على الرغم من أننا نراها متشابهة خارجيا».

وإذا كانت مفردة الخيل تعني في السابق مجرد شكل جمالي للرسام الطائي، إلا أن الشكل يتطور عنده كما الأفكار فتتحول المفردة التقليدية أو الواقعية إلى إنشاء لوني حداثي ينطوي على مواضيع وأفكار متحررة عما هو سائد حياتيا، إذ تغدو الخيول الماضية بإصرار نحو المستقبل هي الأفكار والتطورات التي تتسارع واقعيا، يقول «على الرغم من أن الخيل، كمفردة شكلية تتكرر فإن الأسلوب يتغير فأنا انتقلت من الواقعية إلى الحداثة كما تغير عندي الموضوع الآن أرسم المرآة والخيل، امرأة وحصانا، فكلاهما يعكس الجمال، أجمل مخلوقين، وفي داخلهما ذات الجموح، ومنذ دراستنا ونحن نقرأ المعلقات والشعر العربي القديم، فالشاعر العربي كان يتغزل بالمرأة وبالفرس أو بحصانه، وقد تربينا على هذه الصور الجمالية، ليس هناك من رسام إلا وجسد جمال المرأة، كل النساء جميلات وحبيبات وأنا لا فرق عندي بين المرأة كأم وحبيبة وزوجة وبنت والفن مهمته البحث عن الجمال وتجسيده حسب أسلوب وفهم الفنان لهذا الجمال».

أكثر ما يشغل الرسام الطائي في لوحته هو اللون، يقول «علينا أن نرى جماليات اللون في الحياة، كل شيء عندي ملون، الحياة ملونة، وأشعر بنجاحي في العمل وهو نجاح ملون، وربما هذا يعود إلى بيئتنا العراقية المشرقة وبألق الألوان الطبيعية الحارة، فالأزرق هناك ببغداد أزرق لا لبس فيه، والعراقيون القدماء هم أول من وظفوا اللون في بوابة عشتار وشارع الموكب في بابل، وعندما جئت إلى لندن، حيث الغيوم والأمطار والضباب وجدت الألوان معتمة، كل شيء يبدو رصاصيا، لكنني استعنت بذاكرتي اللونية واسترجعت ألوان المشرق عندنا ورسمت بهذا الشعور اللوني»، مضيفا «لندن وعلى الرغم من عتمة ألوانها فإنها أضافت إلى لوحاتي ألوانها وتأثيراتها، فأنا مثلا لم أجرؤ على رسم امرأة شعرها تركواز أو أحمر، هنا نفذت هذه اللوحات في سلسلة (امرأة وحصان) هنا شاهدت نساء شعورهن حمراء وصفراء وتركواز، وهذا ما جعلني أفكر برسم خيول بألوان صارخة، حصان أصفر وآخر ذهبي تماما، وفرس زرقاء، أجمل شي هو البحث في اللوحة، اللون هو الذي قادني إلى اللوحة الحديثة وظهر ذلك بلا قرار وهي نتيجة فعلية لتقنية اشتغلت عليها طويلا».

لكن ما يشغل تفكير الرسام الطائي هو أن أفكاره أكثر من إنجازاته، أي إنه يختزن الكثير من مشاريع اللوحات ولا يجد متسعا لتنفيذها، يقول «أنا أتمنى أن يكون يومي 48 ساعة فالطاقة التي في داخلي كبيرة من الجميل أنها تتحرر في أكثر من اتجاه، أنا أفكر أكثر مما أنفذ وأكثر مما أجرب بسبب ضيق الوقت، الوعي عندي يشتغل دائما، هناك تغيير في أسلوبي باستمرار لكنني أخطط واكتب ما أفكر به كي لا أنساه لكنني عندما أريد أن أنفذ النموذج أجد نفسي أرسم عملا آخر تماما». والغريب أنه يتحدث عن ضيق الوقت مع أنه أنجز الكثير منذ أن كان طالبا في أكاديمية الفنون الجميلة حتى اليوم «أول مرة عرضت أعمالي كان في 1992 كنت ما أزال طالبا، بعدها أقمت 4 معارض شخصية في عمان وبيروت ومعرضين هنا في لندن، وأنا كنت أول عراقي يعرض في المول غاليري خلال المعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين البريطانيين حيث العمل هناك يخضع لتقييم صعب وأنا عرضت فيه 3 مرات، وهم لا يعرضون إلا الأعمال الواقعية، وحسب شروط الجمعية المتشددة يجب أن تكون الأعمال متخصصة، إذ اشتركت في معرض الحياة البرية ومعرض البحار والبورتريت وأنا شاركت بكل هذه المعارض وتم اقتناء أعمالي المشاركة، كما عرضت في إحدى صالات مدينة كامدن بلندن، وخلال معرض الصيف مع 7 فنانين بريطانيين وكنت العربي الوحيد، ثم أقمت هناك معرضي الشخصي».

ويتحدث الفنان عماد الطائي عن مشاريعه القريبة، قائلا «أخطط لرسم الحياة اليومية في لندن، أنا مزجت بين ثقافتي وتأثيرات لندن على أعمالي، علينا أن نرى كيف يفكر الآخرون وأن أطلع على تجاربهم بما يخدمني، فالاختلاف في التجارب جدا مهم والأهم هو أن أستفيد من هذا الاختلاف».
 
جريدة الشرق الأوسط